قال الإمام شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الحنبلي ابن القيم الجوزية ـ رحمه الله ـ :
وروح هذه الكلمة-( أي كلمة لاإله إلا الله)- وسرّها: إفراد الربّ -جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، وتبارك اسمه، وتعالى جدّه، ولا إله غيره- بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء، وتوابع ذلك من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة. فلا يُحَبَّ سواه، وكلّ ما يُحَبّ غيره وإنّما يحَبّ تبعًا لمحبته وكونِه وسيلةً إلى زيادة محبته. ولا يُخاف سواه ولا يُرجى سواه، ولا يُتوكَّل إلا عليه، ولا يُرغَب إلا إليه، ولا يُرهَب إلا منه، ولا يُحلَف إلا باسمه، ولا ينذَر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يطاع إلا أمرُه، ولا يتحسّب إلا به، ولا يستغاث في الشدائد إلا به، ولا يلتجأ إلا إليه، ولا يُسجَد إلا له، ولا يُذبَح إلا له وباسمه. ويجتمع ذلك كلّه في حرف واحد، وهو أن لا يَعُبدَ إلا إيّاه بجميع أنواع العبادة، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.
ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة.ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)} [المعارج: 33]، فيكون قائمًا بشهادته في ظاهره وباطنه، في قلبه وقالبه. فإنّ من الناس من تكون شهادته ميتة، ومنهم من تكون نائمةً إذا نبهت انتبهت، ومنهم من تكون مضطجعةً، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب. وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن، فروح ميتة وروح مريضة إلى الموت أقرب، وروح إلى الحياة أقرب، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن. وفي الحديث الصحيح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"إنّي لأعلم كلمةً لا يقولها عبد ٌ عند الموت إلا وجدتْ روحُه لها رَوحًا".فحياة الروح بحياة هذه الكلمة فيها، كما أنّ حياة البدن بوجود الروح فيه. وكما أنّ من مات على هذه الكلمة فهو في الجنّة يتقلَّب فيها، فمن عاش على تحقيقها والقيام بها فروِحه تتقلّب في جنة المأوى، وعيشه أطيب عيش. قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41]. (الداء والدواء ص 171/172)